تأسست مؤسسة لجان العمل الصحي عام (1985)، بمبادرة من مجموعة من المتطوعين الفلسطينيين العاملين في القطاع الصحي لتلبية الاحتياجات الصحية للسكان الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، في حينه عملت تحت مسمى "اللجان الشعبية للخدمات الطبية"، وقد كانت الطموحات حينئذ تهدف إلى بناء البنية التحتية للخدمات الصحية الوطنية الفلسطينية كجزء من مكونات النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي. وتميزت البدايات ببذل الجهود عبر تقديم صحية تطوعية للمناطق المعزولة والفقيرة من خلال العيادات المتنقلة التي فعلت عبر الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي هذه الفترة تمكنت اللجان من تشغيل عيادتين رسميا، واحدة في مخيم جباليا للاجئين (قطاع غزة) واحد في قرية إذنا (محافظة الخليل).
اتسمت مرحلة نشوء اللجان بحالة من النهوض الوطني وتبلور عدد من المؤسسات والأطر الجماهيرية ذات الطابع السياسي/الوطني والتنموي، وانتشار المبادرات لبلورة استراتيجيات هادفة لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني وربط التنمية بأهداف التحرر الوطني. كان التركيز في تلك الفترة ينصب على خدمة الناس من خلال أيام العمل الصحي التي كانت تأخذ طابع جماهيري واسع. لم تكن " لجان العمل الصحي " في حينه تعتمد على تقديم خدمات تتطلب ميزانيات كبيرة وكان العمل الطوعي يمثل الرافعة لغالبية الأنشطة والتي غلب عليها أصلا تنفيذ مشاريع صغيرة نسبيا مرتبطة بالعمل الأهلي، وفي حقيقة الأمر كانت لجان العمل الصحي في هذه المرحلة تعتبر جزء من الأطر الجماهيرية التي تعمل على تعزيز الصمود الفلسطيني ومقاومة الاحتلال. مع مرور الزمن اخذت لجان العمل الصحي تنحو باتجاه المؤسسة، فمع بداية التسعينات أصبحت لجان العمل الصحي تتمتع بطاقم يعمل بصورة مهنية إلى حد كبير دون أن يتجرد من تعريف نفسه بالمؤسسة الجماهيرية وتشديد استهداف الفئات المهمشة كجزء من هويته.
مع اندلاع الانتفاضة الأولى في عام 1987 ، زاد عدد المتطوعين في اللجان استجابة للاحتياجات الصحية المتزايدة للفلسطينيين الذين مروا في أوقات عصيبة نتيجة لسياسات الاحتلال. وقد تميزت هذه الفترة زيادة في عدد العيادات المتنقلة وأعمال الإغاثة التي تغطي معظم مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. تطوع المئات من الأطباء والممرضين والعاملين في مجال الصحة. وقد تكللت الجهود في تلك الفترة بنجاح اللجان في إقامة أكثر من 45 عيادة صحية دائمة لتقديم الرعاية الصحية الأولية وخدمات الطوارئ. في وقت لاحق، تم توسيع نطاق هذه الخدمات لتشمل الخدمات الصحية وبرامج جديدة مثل برنامج الصحة المدرسية، وبرنامج صحة المرأة، وخدمات المختبرات، وخدمات صحة الأسنان.
بعد انتهاء الانتفاضة الأولى وتأسيس السلطة الفلسطينية، أصبحت وزارة الصحة مسئولة عن الخدمات الصحية في فلسطين. بعدئذ عملت لجان العمل الصحي على صياغة سياساتها لضمان الاستدامة المالية والمهنية. حيث انه بعد اتفاق أوسلو، عملت المؤسسة على بلورة إستراتيجية جديدة لتحسين نوعية الخدمات الصحية المقدمة. وقد تم إغلاق عددا من العيادات والمستوصفات للتركيز على تطوير عدد محدود من المراكز، كما عملت على صعيد التطور الإداري وقضايا المجتمع المدني الفلسطيني، وخلق نماذج التنمية. عموما في هذه المرحلة شهدت اللجان توسيع نطاق البرامج وتنوعها وحجم التمويل وزيادة الكادر الوظيفي، ومن ناحية تبلور النمط المؤسسي للجان. لقد فرض تأسيس السلطة الفلسطينية بيئة سياسية وقانونية جديدة لعمل المؤسسة، حيث تعمق الجدل حول التكامل والتنافس والأدوار وتحديد الأولويات والمسؤولية. ومن ضمن مخرجات الوضع الناشئ في أعقاب أوسلو، ونتيجة للوضع الجغرافي السياسي ، شكلت لجان العمل الصحي إدارتين منفصلتين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وعملت كل إدارة بشكل مستقل نسبيا للحفاظ على رؤية سياسية صحية وتنموية واحدة واستراتيجيات عمل تأخذ خصوصية الموقع.
خلال الانتفاضة حددت مؤسسة لجان العمل الصحي إستراتيجيتها لتشمل الرعاية الطارئة استجابة لعمليات الإغلاق والحصار، وما لها من تداعيات صحية وانتهاكات خطيرة لحقوق الفلسطينيين الإنسانية. وكانت الخدمات الصحية التي تقدمها لجان العمل الصحي ذات مضمون هام جدا للجميع في ضوء الحصار على الشعب عموما وعدم قدرة السلطة على القيام بدورها كالمعتاد في المجال الصحي. وبالتالي فقد برزت لجان العمل الصحي وغيرها من المؤسسات الأهلية المشابهة بصورة مميزة وحظي أداؤها بالتقدير من قبل الجمهور والسلطة والمؤسسات.